ملف القصور الرئاسية ... قصور الشعب أي ذهبت ؟؟

نصت المادة 27 من دستور 2005 على ما يأتي : (( أولاً – للأموال العامة حُرمة ، وحمايتها واجب على كل مواطن . ثانياً – تنظمُ بقانون ، الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإداراتها وشروط التصرف بها ، والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال .)) كما ورد في المادة 50 منه الخاصة باليمين الدستورية ما يأتي : (( ...وأسهر على سلامة أرضه وسمائهومياهه وثرواته .))

Blog

مرّ أكثر من  22 سنة على إحتلال العراق ؛ إلا أن ساسة ما بعد 2003 ما زالوا يتنعمون بمخلفات النظام الذي كان قائماً في العراق ، ومن أهمها المجمعات الرئاسية التي تُعدُّ الأكثر تميزا بتصاميمها الهندسية والعمرانية على مستوى العالم، وتقدر بمليارات الدولارات.

وتضم المنطقة الخضراء شديدة التحصين (وسط بغداد)، التي تحتضن مقر الحكومة العراقية معظم وأبرز القصور الرئاسية، التي شيدها صدام، وتتوزع أكثرها إثارة وفخامة فيها، إضافة إلى حيي الحارثية والقادسية في جانب الكرخ من بغداد، وأحياء الكرادة والعرصات والجادرية في جهة الرصافة من العاصمة، وتحولت إلى أماكن ومراكز حيوية لساسة ما بعد 2003 ولعوائلهم ونشاطاتهم الحزبية والسياسية، فيما تحول جزء منها إلى مبان ومقار للمؤسسات الحكومية والأمنية تحديدا.

القصر الرئاسي في محافظة صلاح الدين 

ويُعدُّ مبنى القصر الجمهوري "قصر السلام"، الذي وضع تصاميمه البريطاني جيمس بريان كوبر، واكتمل بناؤه في ستينيات القرن الماضي، من أشهر القصور الرئاسية في العاصمة العراقية، ويقع على ضفة دجلة جانب الكرخ. وتحول بعد عام 2003 إلى مقر السفارة الأميركية، وكان الأخير مقر إقامة عدي ، وإلى جانبه المقر الرسمي لأخيه قصي. ثم أُلحق به مبنى البرلمان، وهو من تصميم كوبر أيضا.

قصر الرضوانية من أوسع المجمعات الرئاسية في بغداد 

ويُعد "قصر السجود" أيضا من أكثر القصور الرئاسية جمالا، ويقع مكان "قصر الزهور" الملكي، الذي حول إلى مبنى لوزارة الثقافة والإعلام، قبل انتقالها إلى المبنى الحديث قي منطقة الصالحية، كما يُعدّ قصر "الرضوانية" قرب المطار، من أوسع المجمعات الرئاسية في العاصمة، إذ تبلغ مساحته 6.9 أميال مربعة، وهو أول قصر رئاسي فتشه مفتشو الأمم المتحدة سنة 1998 بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وخصصته السلطات العراقية ليكون مقرا للجامعة الأميركية في بغداد.؟!

وتُوجد نحو 10 مجمعات رئاسية في عموم مناطق البلاد شيدها صدام، أبرزها في تكريت، حيث يضم المجمع الرئاسي فيها أهم قصرين؛ وهما قصر "الفاروق"، الذي تعرض للقصف الأميركي خلال غزو العراق، وقصر "ذو الفقار"، الذي تحول إلى بناية حكومية.

80 مجمعا رئاسيا

إبراهيم المشهداني يرى أن القصور الرئاسية تتميز بقيمتها العمرانية والحضارية وهي ملك للشعب وتشير التقديرات المتوفرة إلى نحو 80 مجمعا رئاسيا شيدها صدام في عموم مناطق العراق بتصاميم مختلفة هي الأفضل على مستوى العالم من الناحية الهندسية والعمرانية، وتمتلك قيمة حضارية ومادية نادرة، وهي ملك الشعب؛ لكنها فقدت الاهتمام الاقتصادي والمادي من الدولة بعد 2003، حسب الباحث الاقتصادي إبراهيم المشهداني، ومهد هذا التراخي استغلالها لأغراض شخصيها وحزبية من شخصيات تتمتع بنفوذ سياسي وحكومي.

وأخطأت الحكومة العراقية -على حد تعبير المشهداني- باعتمادها سياسة اقتصادية خاطئة، وتجاهلها استغلال عقارات الدولة، وتوظيفها لدعم ميزانية الدولة بما لا يقل عن 10 مليارات دولار أميركي سنويا، لا سيما قصور صدام، التي كان من الممكن أن تتحول إلى مناطق سياحية لافتة مثل الموجودة في محافظة بابل (جنوب بغداد)، مستغربا بيع بعضها بأبخس الأسعار في وقت يبلغ الثمن الحقيقي للبعض منها نحو مليار دولار أميركي؛ لأنها مصممة بأفضل الخرائط والتصاميم الهندسية.

ويرى المشهداني أن اعتماد العراق على سياسة اقتصادية عرجاء، وعدم اهتمامه بالسياحة بالمستوى المطلوب، وحصر مصادر الثروة بمصدر واحد، وهو النفط، جعله يفقد الكثير من المصادر المالية؛ لينتج عن ذلك الأزمة الاقتصادية الحالية.

ولكي يتمكن العراق من اجتياز أزمته الاقتصادية الحالية، عليه استغلال قصور صدام بتحويلها إلى متاحف -كما يقترح المشهداني- أو بيعها بسعرها الحقيقي بعيدا عن الاستغلال السياسي من بعض السارقين والفاسدين بطرق "ملتوية واحتيالية"، محذرا في الوقت نفسه مما أسماها بـ"منظومات فساد" باتت تمتلك الخبرة والإمكانية للاحتيال على الدولة والقوانين، وتستثمر مثل هذه المواقع لأغراض خاصة.

تقاعس الأحزاب والحكومة

صحفي عراقي لا يرى وجود أي مبرر لبقاء ساسة العراق في القصور عندما دخلوا البلاد بعد إحتلال العراق سنة 2003، لم يجدوا مقرات تأويهم، وتكون بمثابة مواقع لنشاطاتهم السياسية والحزبية، سوى مقار حزب البعث العربي الاشتراكي المنحل والمباني التي كانت تشغلها أجهزة  الدولة، فكان من الطبيعي على وفق الصحفي والمحلل السياسي العراقي أن تُشغل تلك المباني والمقار من الأحزاب المتنفذة آنذاك بما فيها القصور الرئاسية ، التي تنتشر في أرجاء العراق. ولم يبق اليوم اي مبرر لشغل تلك القصور والمباني، وكان لا بد من إخلائها وإعادتها إلى السلطة باعتبار أنها أملاك تعود للدولة العراقية ؛ إلا أن تقاعس الأحزاب والحكومة في إعادة تلك الأملاك إلى جهتها الرسمية -كما يقول - موضوع يحتاج لدراسة وتحليل، فالحكومة إلى الآن ضعيفة وتغلب عليها الطائفية والنزعة الحزبية، فيما تمادت الأحزاب، الطائفية منها تحديدا، في تجاهل سلطة الدولة، كانت وما تزال تعدُّ نفسها الحاكم والناهي والآمر الأوحد دون إيلاء أي اهتمام لتثبيت مبدأ المؤسساتية في الدولة.

ويشبّه الصحفي أن إشغال القصور الرئاسية والمباني الحكومية من الأحزاب والشخصيات السياسية، وعدم إخلائها وإعادتها إلى الدولة بعد الإحتلال ، بأحد أبرز مظاهر الفساد المستشري في البلاد، مُعدّاً أن التغافل عن هذه الظاهرة وعدم محاسبة المسؤولين عنها أو مفاتحتهم في الموضوع، وإجبارهم على ترك تلك القصور والمباني، تقاعس واضح وتقصير بيِّن، مطالبا بضرورة العودة إلى حكم القانون والقضاء، وعدم التساهل مع أي أحد إن كان العراقيون يبغون دولة القانون والمؤسسات، التي نادوا بها قبيل الإحتلال. ووصف بقاء المباني الحكومية والقصور مشغولة من أحزاب وشخصيات سياسية بعد مرور أكثر من عقدين على الإحتلال، بأنه استهانة بالحكومة العراقية وإنتهاكاً للدستور ومبادئ الديمقراطية والمساواة وحكم دولة المؤسسات ، وتناقضا واضحا بين ما ينادي به الساسة العراقيون الجدد من ديمقراطية وحكم المؤسسات والقضاء وما يفعلونه على أرض الواقع، وكذلك تعكس هذه الظاهرة مدى هشاشة وضعف الحكومة وعدم تمكنها من بسط سيطرتها وقراراتها على الجميع لاسيما ذوي النفوذ الديني والطائفي منهم.

دكاكين للإسترزاق

أحمد المشهداني عضو لجنة النزاهة النيابية سابقاً أكد أن وزارة المالية العراقية هي الجهة الوحيدة المخولة بالتصرف بالقصور الرئاسية وما يجعل الأمر مثيرا للجدل أنه ففضلاً عن سكن صدام لهذه القصور وشغلها؛ إلا أنه لم تكن أي منها مسجلة باسمه، وإنما هي من أملاك الشعب، وتعتدُّ وزارة المالية العراقية هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالتصرف بها ، ويمكن أن تساعد ميزانية الدولة من خلال تحقيق إيرادات ضخمة بها -كما يقول المشهداني- مبينا أن أغلب القصور مستغلة إما لأغراض أمنية أو عسكرية، واستغلها الأميركان بعد 2005 لا سيما خلال تأزم الوضع الأمني والسياسي في البلاد.

ويرى أن أحد أبرز الأسباب لتوسعة رقعة الفساد في العراق، هو أن الأحزاب السياسية تُعِدُّ الوزارات والمؤسسات، التي تحصل عليها كاستحقاقات انتخابية أشبه ما تكون بـ"دكاكين" تسترزق عليها، وهذا ما يُحتم ضرورة إيجاد رؤية اقتصادية حقيقية لإستغلال واستثمار المجمعات الرئاسية ؛ لتحقق ميزانية الدولة من خلالها أموالا طائلة تقف إلى جانب الحكومة في أزمتها الحالية. وختم حديثه للجزيرة نت بوصف استغلال القصور الرئاسية لأغراض شخصية من قبل الطبقة السياسية بـ"سرقة أموال الشعب" واستغلال صارخ لأموال الدولة. وكانت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية قد أجرت تحقيقات حول الأراضي التي تمنح بإسم الاستثمار في مواقع حساسة من عقارات الدولة إلى جهات لا تملك من الاستثمار غير الاسم، وضمن صفقات فساد كبيرة”، “ومنح مساحة ألف دونم في قلب العاصمة ومعها أربعة قصور رئاسية لإنشاء الجامعة الأمريكية في بغداد”. وأن “أغلى بقعة في العراق والقصور الرئاسية التي هي ملك للعراقيين، أُعطيت بصفقة وضغط من حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق”، وأن “التحقيقات أثبتت أن مكتبه ضغط على هيئة الاستثمار الوطنية لتحويل ملكية القصور الأربعة والف دونم لإنشاء الجامعة الأمريكية”. نتساءل ، “أية جامعة في العالم وليس العراق هذه التي تحتاج إلى ألف دونم في منطقة الرضوانية وهي أغلى بقعة في العاصمة، وتضغط رئاسة الحكومة السابقة ومكتب رئيس الوزراء ويتم تهديد موظفي الجهات الرسمية كما تبين في مجريات التحقيق”. القصور الأربعـة والألف دونم منحت الى شركة ورجل أعمال لإنشاء الجامعة الأمريكية وأوضح عضو سابق في اللجنة أن “مجلس الوزراء ناقل 14 ألف دونم أيضا الى هيئة الاستثمار الوطنية في مطار بغداد إذ يصل سعر المتر المربع الواحد إلى أكثر من 10 آلاف دولار ، وهيئة الاستثمار بدورها ستعطي تلك الأراضي إلى شركة داماك العقارية”. وأضاف أن “شركة داماك حصلت على أكثر من 100 ألف دونم في إقليم كردستان وكلفت حكومة الإقليم أكثر من مليار دولار لتسوية المزارعين مقابل مشروع استثماري الذي تركته لاحقا، كما حصل السجواني على عقود مشاريع كثيرة في العراق ، ومنها مشروع الأسواق المركزية الخمسـة التي منحتها وزارة التجارة ولا تزال معروضة للبيع حتى الآن “، مبينا أن “داماك تحصل على عقود بعنوان مشاريع استثمارية مهمة في الدولة العراقية ثم تعرضها للبيع خلافا للقانون”. تسعى داماك للحصول على المشروع الاستثماري قرب مطار بغداد بعنوان مطور وليس مستثمر، لأن المطور هو من يجهز الأرض ويحولها لاحقا الى المستثمرين أي أشبه بالدلالة والسمسرة العقارية ” بحسب ما جاء على لسان النائب. وأكد أن “لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عملت على إيقاف بيع أملاك وعقارات العراقيين بأسعار بخسة تُعطى تحت عنوان الاستثمار ثم تُقطع حسب الطلب وتُباع مرة أخرى لكن دون جدوى”.

المصدر : رويترز ، الجزيرة ، وكالات